إن كنت قرأت كتبا غير دراسية لمؤلفين فيزيائيين في شرح نظريات الفيزياء الحديثة كنظرية النسبية الخاصة ونظرية النسبية العامة لأينشتاين والنظرية الكمومية التي تعتبر عملا جماعيا من نتاج أفكار علماء كبار أمثال ماكس بلانك وألبرت أينشتاين ونيلز بور وإرفين شرودنغر وماكس بورن وفيرنر هايزنبرغ وولفغانغ باولي وبول ديراك وغيرهم الكثير، ثم تذوقت ما قرأت وليس فهمته فحسب، قد تشعر برومانسية نظرية النسبية لأينشتاين وعلى وجه الخصوص نظرية النسبية العامة مقابل براغماتية النظرية الكمومية وعلى وجه الخصوص ميكانيك الكم.
من النتائج العجيبة لنظرية النسبية العامة أن الأجسام وبسبب المجال الثقالي (الجذبي) الناتج عن كتلتها (كمية المادة) تُقوّس نسيج الزمان-المكان (أو اختصارا الزمكان). وهذا التقوس لا يكون محسوسا بالقرب من الأجسام الصغيرة كأجسامنا، ولكنها تصبح ذات مقدار ملموس بالقرب من الأجسام الهائلة كالكواكب والنجوم.
فينتج عن هذه الظاهرة العجيبة أنه عندما يمر شعاع الضوء بالقرب من كوكب هائل أو قرب الشمس مثلا فإنه يتبع مسارا ملتويا. أي أنه يمكننا من حيث المبدأ أن نرى نجما محجوبا بكوكب ضخم لأن شعاع الضوء الآتي منه – والذي لا يتوجه إلى أعيننا مباشرة وبالتالي ليس من المفترض أن نراه – قد انحرف عند مروره قرب الكوكب وبالتالي غيّر مساره ليدخل في أعيننا فنراه في غير موقعه الأصلي، كما تفعل العدسة الزجاجية عندما تحرف اتجاه الشعاع الضوئي الصادر عن نقطة مضيئة فنراها في غير موقعها الحقيقي.
هذه الظاهرة – إنحراف الضوء – قد تنبأ بها أينشتاين في نظريته النسبية العامة ولكن لم يُتحقق منها حتى أتى العالم الفلكي آرثر إدينغتون وراقب كسوف الشمس بالبعثة التي قام بها عام 1919 إلى جنوب إفريقيا وقام بقياس انحراف أشعة ضوء أحد النجوم التي تأتي في مجال الرؤية المماس لأطراف الشمس ولكنه لا يُرى عادة بسبب سطوع الشمس، وقد استفاد من انحجاب ضوء الشمس بسبب كسوفها. وقد اتفقت قياساته مع حسابات النسبية العامة فكان له الدور الطليعي في شهرة ألبرت اينشتاين حيث كان يعيش أينشتاين في ألمانيا في ذلك الوقت عالماً مغموراً!
وإذا خضنا أكثر في نتائج التقوس الزمكاني الذي تنبأت به نظرية النسبية العامة، وأخذنا بعين الاعتبار نجمين نراهما على أطراف كوكب هائل الكتلة، فإننا نرى كل واحد منهما منزاحا عن موقعه الحقيقي بحيث أن المسافة الظاهرية بينهما أكبر من المسافة الحقيقية. وبالتالي فإن المسافة بينهما قد تضخمت بمقدار ضئيل ربما نستطيع أن نتحقق منه بأعيننا المجردة أو بواسطة التليسكوب.
وهذا يعني أن الأجسام الهائلة الكتلة تتصرف كعدسة (محدبة) ثقالية، أي أنها تضخم صورة الأشياء التي ورائها بسبب انحراف أشعة الضوء عندما تمر بالجوار منها، تماما كما تفعل العدسة الزجاجية المحدبة العادية عندما تحرف أشعة الضوء المارة بها.
ربما تستطيع عزيزي القارئ من ملاحظة هذه الظاهرة الفريدة عند مراقبتك لكسوف الشمس بواسطة تلسكوب خاص مجهز بفلتر حتى لا تؤذي عينك إن كنت من المحظوظين بامتلاك تلسكوب هواة مثلا.
فريد مناوي 4 – 6 – 2020