فكرة الأكوان اللامتناهية وما وراءها وفساد معاداة العقل السليم

فكرة الأكوان المتوازية اللانهائية خيال يدغدغ عقول الكثير من الملحدين

ينشغل البعض بأسئلة تفتح باباً للإلحاد وإنكار وجود خالق للكون. وقد يستندون فيها إلى فرضيات فيزيائية غير مثبتة، كفكرة الأكوان اللامتناهية.

ومن الأسئلة المطروحة بناء على تلك الفكرة على سبيل المثال:

– هل يمكن أن يكون هنالك مثلث في كونٍ آخر (أيْ عالَمٍ آخر) له أربعة أضلاع؟

– هل يمكن أن تكون المعادلة 1+1 = 3 صحيحة في كونٍ آخر؟

والباب مفتوح لعدد لا يحصى من الأسئلة المشابهة للمثلين المذكورين أعلاه.

وقد يقصد من يطرح مثل تلك الأسئلة هدم أُسس عقلية تُستَخدم للبرهان على وجود الخالق الواجب الوجود.

أما الجواب عن السؤالين المذكورين أعلاهُ فبسيط جدا، بأن أقول لهذا السائل: ائتني أولا بدليل على (وجود كونٍ آخر) ثم ابحث معي في فكرة صواب أو خطأ الفَرَضِيَّة المطروحة.

أما إذا كان السائلُ معاندًا ومصرًّا على قبول احتمال صحَّة فرضيةٍ مخالفةٍ للعقل السليم في كون آخر، فنقول له أنت تستند إلى احتمالية وجود أكوان أخرى – وهي فرضيةٌ تفتقر إلى أدنى دليل باعتراف الفيزيائيين –للاحتجاج على أساس من الأسس العقلية المُسَلّم بها على مدى التاريخ الإنساني، وهذا ليس منهجا علميا إذا كنت تدعي أنك متعلم باحث عن الحقيقة.

وهنا أَوَدُّ أن أشير إلى مصيبة أُصِبنا بها في هذا العصر وهو ظهور تيَّار معادٍ للعقل السليم. فنجد بعض المؤلِّفين يسخرون من حُجّية العقل السليم ويخلطون بينها وبين ما كان يُحتَج به في العصور الوسطى في أوروبا على بعض الأفكار السابقة لعصرها على أنها تعارض “العقل السليم”، بينما كان هذا المفهوم للعقل السليم هو ما يُخلط بين الفطرة السليمة وبين التصورات والأفكار التي يعتاد عليها المجتمع. فالاستدلال العقلي بالبراهين المنطقية هي من الأدوات التي تُستخدم لإثبات وجود الخالق ولإثبات صفات الكمال له، ومن هنا تظهر خطورة إهمال العقل السليم وما يوصل إليه من تمهيد لهدم الدين.

فالعجب من هؤلاء الذين يَسخَرون من حُجّية العقل السليم ويدعون إلى إهمال الأسس العقلية، مع أنَّ الأسس العقلية هي التي بُنِي عليها علم الرياضيات التي يُستعمل في الفيزياء والذي أوصلنا إلى هذا التقدم العلمي! فلماذا نستغني عن هذه الأسس العقلية – في هذه المرحلة – بناء على بعض التجارب الفيزيائية التي أتت بنتائج محيِّرة معارِضة في الظاهر للبديهة؟

وبالإضافة إلى ما ذكرته أعلاه فإن هناك قرائن تدل على أن فكرة الأكوان اللامتناهية هي فكرة مشبوهة، المراد منها أن تكون خشبةَ نجاة للملحدين، بعد أن وجدوا اتساق هذا الكون وإحكام نظامه وتوازنه الدقيق حجة عليهم في أنه لا بد من وجود خالق أبدعه، إذ من غير المعقول أن يحدث كون بهذا التوازن والدقَّة بمحض المصادفة بلا خالق.

فاتُّخِذت فكرة الأكوانِ اللامتناهية ملجأ لهم، ليقولوا إن من بين عدد غير متناه من الأكوان لا بدَّ أن يوجَد كونٌ ملائم لظهور الحياة، مع أن إيمانهم بهذه الفرضية – التي لا تستند إلى أي دليل حسي – يحتاج إلى تكلف، وإلى جهد أكبر من الجهد الذي يحتاجونه للإيمان بوجود خالق، وهم في نفس الوقت يبررون عدم إيمانهم بوجود خالق بعدم وجود دليل حسي يثبت ذلك في زعمهم، فهنا تظهر مكابرتهم.

وفي الختام أود أن أشير إلى أن فكرة الأكوان اللامتناهية تخطت الملاحدة لتصل إلى أن يتبناها بعض رواد المجال المسمى بالإعجاز العلمي في القرآن الكريم، ليقول أن القرآن أتى بها في الآية (الحمد لله رب العالمين) وأنها من عقيدة المسلمين غير منتبه الى ان فكرة تعدد الاكوان غير مثبتة علميا وأن كلمة (العالمين) لا تعني تعدد الاكوان، بل ذكر بعض المفسرين ان كلمة (العالمين) يراد بها كل ما سوى الله، وأن (العالمين) اقل شمولا من (العالم). ومن شاء الاستزادة فليرجع الى تفاسير القرآن الكريم كتفسير الطبري، ليجد فيها أقوال المفسرين في معنى العالمين ليظهر جليا ان لا مجال لحملها على عوالم لانهائية كما يقول بذلك اصحاب تلك الفكرة.

ومن عنده ملاحظة بنَّاءة أو تصويب فليراسلني مشكوراً

فريد مناوي 15-9-2018

Similar Posts

  • An inspiring code

    These lines portray a tale of creation and vanishing. It describes the creation of a photon, its subsequent disappearance when an electron absorbs it on the cathode plate’s surface, the subsequent departure of the electron from the cathode, and lastly the eventual disappearance of the electron when it reaches the other plate and captured.

  • خطورة هدم المبادئ العقلية

    البعض يريد هدم بديهيات عقلية بحجة مناقضتها لبعض نتائج العلوم التجريبية التي بُنيت على الرياضيات والذي أُسِّسَ على هذه البديهيات العقلية، فهو بذلك كمن يبني بناءً ثم يهدم أساساته، فكيف إذن يستطيع إكمال هذا البناء؟!

  • ضوابط التفكير خارج الصندوق

    من أسباب كتابة هذا المقال الصغير هو حال الشباب وابتعادهم عن القراءة وإعمال الفكر وإضاعتهم للوقت وانحيازهم لسلوك المسارات الحياتية السهلة، وما لذلك من خطورة على مستقبل الأمة حيث ينضب النتاج العلمي والفكري (الذي هو أصلا في حالة مزرية حاضرا)، وأملي أن أساهم ولو مثقال ذرة في كسر القيود النمطية التي تكبّل انطلاقة فكر شبابي منتج. فلطالما كنا مجتمعات مستهلكة حتى في الفكر والعلم والمعرفة.

  • العدسة الثقالية

    من النتائج العجيبة لنظرية النسبية العامة أن الأجسام وبسبب المجال الثقالي (الجذبي) الناتج عن كتلتها (كمية المادة) تُقوّس نسيج الزمان-المكان (أو اختصارا الزمكان). وهذا التقوس لا يكون محسوسا بالقرب من الأجسام الصغيرة كأجسامنا، ولكنها تصبح ذات مقدار ملموس بالقرب من الأجسام الهائلة كالكواكب والنجوم.

    وإذا خضنا أكثر في نتائج التقوس الزمكاني الذي تنبأت به نظرية النسبية العامة، وأخذنا بعين الاعتبار نجمين نراهما على أطراف كوكب هائل الكتلة، فإننا نرى كل واحد منهما منزاحا عن موقعه الحقيقي بحيث أن المسافة الظاهرية بينهما أكبر من المسافة الحقيقية. وبالتالي فإن المسافة بينهما قد تضخمت بمقدار ضئيل ربما نستطيع أن نتحقق منه بأعيننا المجردة أو بواسطة التليسكوب.

One Comment

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

2 + two =